الاثنين، 8 أبريل 2013

القسم الإعدادي الرابع : علم التوحيد 1:من الفصل 1 حتى الفصل 4



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقدمة:

وبعد: فهذا الكتاب الأول من سلسلة التوحيد ، قد راعيت فيه أن يكون متمشياً مع أحوال زماننا ، وحرصت على ضرب الأمثلة ، حتى يتحقق الهدف المنشود الذي طالما حثنا القرآن عليه، في هذا الزمان ، ذلك هو هدف ربط الحقائق الدينية بأدلتها المبثوثة في الكون كما قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ صدق الله العظيم ، أو كما قال سبحانه : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ صدق الله العظيم .

لذلك فقد يجد القارئ بعض حقائق علمية لم يكن قد عرفها من قبل في ميدان العلوم الكونية ، فلا يمنعه ذلك من معرفتها من المراجع الخاصة بها ، أو بواسطة التعاون مع أساتذة هذه العلوم . ومن المفيد جداً للنجاح في دراسة هذا العلم: ضرب الأمثلة، واستخدام وسائل الإيضاح المختلفة، كما أن بساطة التعبير، ووضوح الفكرة ، وسهولة البرهان ، أمور هامة جداً لتثبيت العقيدة في قلوب الناس، كما أن الانتفاع بما جاء في موضوع الدرس من الآيات القرآنية أمر نافع جداً ، فليس هنا ما يثبت المعنى العقلي كآيات القرآن ، ويستثير أحاسيس الوجدان .
أما أنت أيها المسلم ، فاعلم أن علم التوحيد هذا هو أصل دينك فإذا جهلت به فقد دخلت في نطاق العمي ، الذين يدينون بدين لا دليل لهم عليه ، وإذا فقهت هذا العلم كنت من أهل الدين الثابت الذين انتفعوا بعقولهم .
قال تعالى : ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ صدق الله العظيم .
فإذا انتفعت بهذا العلم ، وبغيره من العلوم النافعة فإن عليك أن تعلم أهلك وأصحابك ، فتكون من الدعاة إلى الله الذين قال الله فيهم : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ﴾ صدق الله العظيم.
وبهذا أيها المسلمون تكونون مصابيح مضيئة بين أهليكم وأمتكم ينتفع الناس بكم .
اسأل الله أن يجعل العمل خالصاً لوجهه ، وأن يجعله طريقاً موصلاً إلى رضوانه.
الفصل الأول
علم التوحيد
تعريفه :
س : ما هو علم التوحيد؟
ج : هو علم يبحث في إثبات العقائد الدينية بالأدلة اليقينية العقلية والنقلية التي تزيل كل شك ، وهو العلم الذي يكشف باطل الكافرين ، وشبهاتهم ، وأكاذيبهم، وبه تستقر النفوس ، وتطمئن القلوب بالإيمان ، وسمي بعلم التوحيد لأن أهم بحوثه هو: توحيد الله . قال تعالى :﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾[الرعد:19] .
مجالات بحث علم التوحيد:
س : ما هي المجالات التي يبحث فيها علم التوحيد؟
ج : يبحث علم التوحيد في عدة مجالات هي :
1- في مجال الإيمان بالله وتوحيده ، وإخلاص العبادة له دون شريك
2- في مجال الإيمان برسل الله ، حملة الهدي الإلهي ، ومعرفة ما يجب لهم كالصدقة والأمانة ، وما لا يجوز في حقهم كالكذب والخيانة ، ومعرفة معجزاتهم وبينات رسالتهم ، وخاصة معجزات وبينات وأدلة رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
3- في مجال الإيمان بالكتب الإلهية التي أنزلها الله هداية لعباده عبر التاريخ البشري الطويل .
4- في مجال الإيمان بالملائكة وما يقومون به من أعمال ، وصلتهم بنا في الدنيا والآخرة .
5- في مجال الإيمان باليوم الآخر وما أعد الله فيه من جزاء المؤمنين والكافرين: من نعيم في الجنة وعذاب في النار.
6- في مجال الإيمان بقدر الله الحكيم ، الذي يسير عليه كل ما في الكون: قال تعالى :﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾[البقرة:285] .
ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان فقال : (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).
مكانته بين سائر العلوم :
س: وما هي مكانة علم التوحيد بين سائر العلوم؟
ج: شرف كل علم يقدر بشرف موضوعه ، ومجال بحثه ، فإذا كان الطب أشرف من النجارة : فإن ذلك لأن ميدان بحث النجارة : الأخشاب وميدان بحث الطب: الأجسام البشرية. أما شرف علم التوحيد فيستمد من شرف مجالات بحثه ، وهل هناك ما هو أعظم من خالق الكون؟ وهل هناك من هو أطهر من رسل الله من بني البشر؟ وهل هناك ما هو أهم من معرفة الإنسان بربه وخالقه ؟ والحكمة من وجوده في هذه الدنيا، ولماذا خلقه الله عليها؟ وما هو المصير الذي ينتظره بعد موته؟ هذه هي مجالات علم التوحيد وموضوعاته.
وعلم التوحيد هو أصل علوم الإسلام وأفضلها وأهمها على الإطلاق.
فرضيته:
س: وهل تعلمه فرض عين أم فرض كافية؟
ج : علم التوحيد فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، بحيث يتوفر الامتناع القبلي لدى المسلم أنه على الدين الحق، وأما ما زاد على ذلك فهو فرض كفاية ، إذا قام به القليل من المسلمين سقط عن الباقي .
قال تعالى :﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[محمد:19] .
القرآن كتاب التوحيد الأكبر:
س: وهل اهتم القرآن بهذا العلم؟
ج : إن الموضوع الأساسي في القرآن هو موضوع علم التوحيد فأنت لا تجد صفحة في كتاب الله تخلو من الدعوة إلى الإيمان بالله أو برسوله، أو باليوم الآخر، أو بالملائكة ، أو بالكتب الإلهية السابقة ، أو بالقدر الذي سنه الله لسير هذا الكون. وإن القرآن المكي الذي نزل بمكة قبل الهجرة لمدة ثلاثة عشر عاماً يكاد يكون كله حول التوحيد وما يتصل به .
اهتمام المسلمين به :
س: وهل اعتنى به المسلمون؟
ج : إن عناية المسلمين بهذا العلم مستمدة من عناية القرآن به ، فقد كان همهم الأكبر هو : الدعوة إلى دين الله بالحكمة ، والموعظة الحسنة، أي بما يقدمه علم التوحيد من أدلة وبراهين لتثبيت العقيدة ودعوة الناس للإيمان بها واستمرت عناية المسلمين به مدة طويلة .
إهمال المسلمين لهذا العلم:
س : ما الذي أصاب المسلمين عندما أهملوا التوحيد؟
ج : لما أهمل المسلمون بناء العقيدة الصحيحة بواسطة علم التوحيد الذي يقوم على العلم واليقين ، بدأ الخلل يتسرب إلى عقائد الكثيرين منهم ، تسرب إلى أعمالهم ، وأخذ الفساد في الاتساع حتى سهل على أعدائهم القضاء عليهم واستعمار بلادهم واستذلالهم في أرضهم وديارهم .
الخلاصة
· يقدم علم التوحيد الأدلة العقلية والنقلية على صحة وصدق العقائد الإسلامية.
· يبحث علم التوحيد في مجالات عدة هي : الإيمان بالله ، وكتبه ، ورسله ، وملائكته ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره .
· أشرف العلوم الدينية والدنيوية هو علم التوحيد ، لأنه يتعلق بالله رب العالمين ، ويستمد أهميته من عظمة الخالق سبحانه .
· وتعلم القدر الضروري منه فرض عين على كل مسلم ومسلمة لتثبيت الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
· ولقد اهتم القرآن بموضوعات هذا العلم وكاد القرآن المكي أن يقتصر عليها وما يتصل بها .
· ولقد اهتم المسلمون الأولون به فعزوا وسادوا ، وعندما أهملوه اختلت عقائدهم وسرى الخلل إلى سلوكهم وأعمالهم فاستعمر الكفار أرضهم وبلادهم.
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني
أهمية علم التوحيد في الدين
الإيمان أساس العمل :
س: لماذا لا يقبل الله العمل إلا من المؤمن؟
ج : إن الذين لا يؤمنون بالله ولا يرجون ثوابه ولا يخافون عقابه يعملون أعمالهم وهم لا يريدون بها وجه الله ، ولا يبتغون بها رضاه ولا يهمهم هل عملوا حلالاً أم حراماً فهم بهذا لا يستحقون الثواب على العمل وإن كان صالحاً ، لأنهم كفار لم يقصدوا به أن ينالوا ثواب ربهم ، ولا ابتغوا به رضا خالقهم ، والكافر معاقب على كفره وضلاله ؛ لأنه لم يبحث عن دين الله ولم يحاول الاستماع إلى البيان الإلهي الذي جاء به المرسلون ، زيادة على ذلك فهو إذا سمع آيات الله تتلى عليه، اتخذها هزواً لذلك فعمله مردود وهو معاقب على كفره .قال تعالى :﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾[الفرقان : 23] .﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾[إبراهيم 18].﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[النور: 39]
مثال :
دخل رجل إلى بستان كبير لا يملكه ، فوجد فيه الفواكه ، وأنواع المأكولات ، فأكل وشرب ، ثم أخذ يقوم بأعمال داخل البستان: هذه الشجرة يقلعها ، وتلك يغرسها ، ودخل البستان رجل آخر قال لنفسه : لن أفعل شيئاً بهذا البستان حتى أتصل بصاحب البستان أو من يمثله أو ينوب عنه ، وأخذ يبحث عنه فإذا بمندوب صاحب البستان يصل إليهما ، فاستنكر المندوب أعمال الشخص الأول ، ولكنه لم يهتم بالكلام ، وأخذ يتصرف بالبستان بدون إذن من مالكه ، أما الشخص الثاني فقد سمع التوجيهات من مندوب صاحب البستان ، وأخذ يعمل طبقاً لها ، فأيهما يستحق المكافأة؟ وهل يستحق ذلك الذي اقتحم البستان وسخر من توجيهات صاحب البستان التي حملها مندوبه؟ هل يستحق مكافأة ولو عمل عملاً صالحاً في البستان؟
لا شك أن كل عاقل يقول بأن الجزاء[1] للذي اتبع إرشادات صاحب البستان ، وأن الذي اقتحم البستان وأخذ يعمل به كما يشاء بدون رضا صاحبه ومالكه ـ رغم وصول من ينذره ـ لا شك أنه لا يستحق الجزاء ، ولو أحسن في بعض أعماله.
وكذلك هذه الأرض وما فيها ، ملك الله ، ورسل الله هم المنسوبون ، والمؤمن هو الذي عمل طبقاً لهدى ربه ، والكافر هو الذي يتصرف في ملك ربه ، بدون إذن أو هداية ، وهو في نفس الوقت قد أعرض عن رسل ربه .
باب الإسلام : أداء الشهادتين:
س : لماذا جعل الإسلام أداء الشهادتين أول أركانه؟
ج : إن تأدية الشهادة معناه : أنك مقتنع ومصدق بأن لهذا الكون إلهاً خلقه ، وأوجده ، ونظمه ، وأحكمه ، وأنه إله واحد لا شريك له ، وأنك أحد مخلوقاته . ومعنى الشهادة الثانية: أنك تؤمن وتصدق وتوقن بأن محمداً رسول الله ، أرسله بالهدى وبالبيان للحلال الذي يرضي الخالق ، وللحرام الذي يغضبه ، وبأنك باتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم تتحقق طاعتك لله . ومن المعلوم أنك إذا لم تكن عارفاً بالتوحيد فإن شهادتك تكون شهادة باطلة وناقصة .
إذن
لا بد لك من تعلم علم التوحيد لتكون شهادتك صحيحة ، وإسلامك صحيحاً وعملك مقبولاً قال تعالى :
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[محمد :19] .
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[آل عمران : 18] .
لذلك فعلم التوحيد أصل العلوم الدينية وأفضلها .
الخلاصة
· لا يقبل الله أعمال الكافرين ، ولا يتقبل الله إلا من المؤمنين .
· لأن الكافر يعمل غير قاصد به رضاء مالكه وخالقه وسيده ولا يهمه أيرضى الله عنه أم يغضب ، فاستحق العقاب وحرم الثواب .
· باب الإسلام أداء الشهادتين ، ولا تؤدى الشهادتان كاملتين إلا إذا تعلم المرء علم التوحيد : لذلك كان علم التوحيد أهم العلوم في نظر الدين الإسلام.
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثالث :
أهمية علم التوحيد في الحياة الدنيا
أضرار الجهل بعلم التوحيد :
س : ما هو الجهل بعم التوحيد في حياة الناس؟
ج : أولاً : يعيش الذي لا يعرف خالقه كالأعمى في هذه الحياة الدنيا ، فهو لا يدري لماذا خلق؟ ولا يدري ما الحكمة في وجوده على الأرض!! تنتهي حياته وهو لا يعرف لماذا بدأت! ويخرج من الدنيا وهو لا يدري لماذا دخل إليها؟
قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾[محمد: 12] .
ثانياً : من لا يؤمن باليوم الآخر يغتر بالحياة الدنيا ، ويجعل كل همه أن يحقق مصالحه في هذه الدنيا قبل أن يموت ، فهو يتكالب على أطماع الدنيا ، يأخذها من حلال أو حرام ، لا يهمه أن يلحق ضرراً بغيره ، وكل ما يهمه هي مصلحته الشخصية ، وبهذه الروح الأنانية ، يتفكك المجتمع ، وتفسد المعاملة بين أبنائه ، ويكون بعضهم حرباً على بعض ، بعكس المجتمع المؤمن المتماسك .
ثالثاً : إذا فشا الجهل يعلم التوحيد فسدت العقائد ، وفسدت الأعمال ، وكثرت المعاصي والذنوب فينزل الله عقابه بالمسلمين الذين أهملوا دينهم وضيعوه .قال تعالى:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الروم :41] .
أثر علم التوحيد في الحياة:
س: وما هو أثر علم التوحيد في الحياة؟
ج : أولاً : إن الموحد المؤمن بربه ورسله ، قد علم لماذا خلقه ربه فسار في هذه الدنيا على صراط مستقيم ، يعرف البداية والنهاية ، بعيداً عن حياة العمى والضلال .
قال تعالى :﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الملك:22] .
ثانياً : التوحيد يجعل قلوب الناس جميعاً موحدة حول رب واحد وكتاب واحد ورسول واحد وقبلة واحدة، والإيمان يجعل الناس متحابين متآخين كما وصفهم الله بقوله : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات: 10]
وكما وصفهم عليه الصلاة والسلام بقوله : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) والمجتمع المؤمن، مجتمع متعاون على البر والتقوى ، يتناهى أفراده عن الإثم والعدوان كل منهم يعمل ليفوز برضا ربه ، يخشى أن يظلم أو يسرق ، أو يغش أو يقتل ، أويخدع ، أو يزني ، أو يرشو ، أو يرتشي ، أو يكذب ، أو يحسد ، أو يغتاب ، أو يسيء إلى أحد ؛ لأنه يخشى الله ، ويخاف من الوقوف بين يديه .
وعندما كان المسلمون متمسكين بالتوحيد كانوا كما وصفهم ربهم:﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران: 110]
ثالثاً : إذا انتشر الإيمان بين الناس أثمر أعمالاً صالحة ترضي الله سبحانه فيفتح عليهم أبواب الخير ، وينصرهم على عدوهم .قال تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[الأعراف : 96] .﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد:7] .
وهكذا كان المسلمون الأولون ، ضعافاً فقراء فآمنوا وعملوا الصالحات ففتح الله لهم الدنيا ، وأغناهم من فضله ونصرهم على عدوهم نصراً مؤزراً .
الخلاصة
· من لا يعرف التوحيد يعيش في حياته أعمى كالحيوان تنتهي حياته على الأرض وهو لا يدري لماذا بدأت ، ويخرج منها وهو لا يدري لماذا دخل إليها .
· الذي لا يؤمن باليوم والآخر ، لا تهمه إلا أطماع الدنيا يجمعها من حلال أو حرام ، وبهذا تفسد الحياة ويتفكك المجتمع
· إذا ضعف الإيمان زادت الذنوب وأرسل الله عذابه على المذنبين.
· أما المؤمن فيعرف ربه وخالقه ، ويعرف لماذا خلقه الله في الدنيا فيعيش مهتدياً بهدى الله ، سائراً على الصراط المستقيم، والمؤمن لا يظلم، ولا يقتل ، ولا يسرق ولا يأتي الفاحشة ، ولا يرتكب المحرمات وهو مؤمن، فبهذا تصلح حياة الناس ، ويوجد المجتمع المتآخي ، المتماسك.
· الإيمان يثمر العمل الصالح، ويرضي الخالق، فيفتح الله البركات، ويمد المؤمنين الصادقين بالنصر على أعدائهم كما حدث للسلف الصالح في هذه الأمة .
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الرابع :
كيف نعرف الله
معرفة وجود الله:
س: كيف نعرف وجود الله؟
ج : إذا رأيت سيارة تتحرك أمامك من بعيد ، ورأيت طيارة تطير في السماء فستجزم وتتأكد أن سائق السيارة الذي يسوقها بإتقان في الطريق الملتوية موجود، وستتأكد أن الطيار موجود.
س : وكيف تأكدنا من وجود سائق السيارة والطائرة؟
ج : لأنه لو لم يوجد الطيار أو الذي يسوق الطائرة ما كنا سنرى الطائرة تطير بإتقان من بلد إلى بلد .
س : فكيف عرفنا وجود الله؟
ج : إن الله هو الذي يسير الشمس والقمر والنجوم والكواكب وهو الذي يقلب الليل والنهار ، وهو الذي خلق جميع المخلوقات فهو لا شك موجود .
س : وكيف ذلك؟
ج : لو أن الله ـ أستغفره سبحانه ـ غير موجود إن الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار سوف تذهب وتتوقف في سيرها المنتظم ، وستنعدم جميع المخلوقات .
لأن المخلوقات لا توجد من غير شيء ، وإذا لم يوجد خالقها فلن يكون لها وجود.
قال تعالى:﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾[الطور :35، 36] .
معرفة صفات الله :
س: وكيف نعرف صفات الله؟
ج : نعرف صفات الله بالتفكير في مخلوقاته وبالتعلم من رسله.﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[الجاثية: 3، 4].
س: وكيف نعرف صفات الله من التفكر في مخلوقاته؟
ج : إذا تفكرت في السيارة ـ مثلاً ـ فسترى :
· أن الحديد الذي في السيارة يشهد لك أن الصانع لديه حديد وأن صانع السيارة قادر على تشكيل الحديد في شكل سيارة كما ترى .
· وان الزجاج الذي في السيارة يشهد لك أن الصانع لديه زجاج وأن لديه القدرة على تشكيل الزجاج في شكل ألواح ، وفي شكل أغطية للمصابيح كما ترى
· وأن لديه أسلاكاً لنقل الكهرباء .
· وأن لديه علماً بصناعة كل أجزاء السيارة .
· وأن لديه خبرة هندسية في صناعة السيارة .
· وأن لديه إرادة في صنع سيارة من المواد التي صنعت منها السيارة .
· وهكذا نستطيع أن نعرف كثيراً من صفات صانع السيارة .
س: وما علاقة هذا المثال بمعرفة صفات الله؟
ج : كما عرفنا صفات صانع السيارة من التفكير في السيارة التي صنعها فكذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ نستطيع أن نعرف بعض صفات الله من التفكير في مخلوقاته.
· سنشاهد الحكمة في كل مخلوقات الله تشهد أنها من صنع الحكيم.
· سنشاهد الخبرة في كل مخلوقات الله تشهد أنها من صنع الخبير .
· سنشاهد القوة في كل مخلوقات الله تشهد أنها من صنع القوي .
· سنشاهد الصور البديعة في كل مخلوقات الله تشهد أنها من صنع المصور البديع.
· سنشاهد الهداية في كل ما خلق الله تشهد انه من صنع الهادي .
· سنشاهد الحياة في كثير من مخلوقات الله تشهد أنها من صنع المحيي .
· سنشاهد العلم في كل ما خلق الله يشهد أنه من صنع العليم .
· سنشاهد الحفظ لكل ما خلق الله يشهد أنه من صنع الحافظ .
· سنشاهد تدبير الأرزاق لكثير من مخلوقات الله يشهد أنه من صنع الرزاق.
· سنشاهد النظام الموحد والاستقرار في الكون كله يشهد أنه من صنع الواحد.
وهكذا عرفنا عند تفكيرنا في مخلوقات الله أنه :
الحكيم ، الخبير ، القوي ، المصور البديع ، الهادي ، المحيي ، العليم ، الحافظ ، الرزاق ، الواحد .
س : وهل نستطيع أن نعرف كل صفات الله بالتفكير في مخلوقاته؟
ج :لا نستطيع ذلك .
س : ولماذا ؟
ج : عندما تفكرنا في السيارة عرفنا أن لدى صانعها قدرة ، وعلماً ، وخبرة ، وإرادة ، وأن لديه حديداً ، وزجاجاً وأسلاكاً من مواد السيارة ، ولكنا لا نعرف هل صاحب السيارة كريم أم بخيل ، طويل أم قصير ، يحبنا أم يكرهنا ، ظالم أم عادل؟
فكذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ يمكننا أن نعرف كثيراً من صفات الله بالتأمل في مخلوقاته ، ولكن كثيراً من صفاته ستبقى مجهولة لدينا ، فلا يمكننا أن نعرف لماذا خلقنا؟ ولماذا يميتنا ؟ كما لا يمكننا أن نعرف صفاته العليا مثل : أنه المعبود، والقدوس ، والأعلى ، والحسيب ، والمنتقم والغفور إلا بتعلم منه سبحانه .
س : فكيف عرفنا ما جهلنا من صفات ربنا؟
ج : بواسطة الرسل الذين علمونا ما شاء ربنا أن نعرفه عنه.
قال تعالى : ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾[البقرة:255] .
الخلاصة
· إذا رأينا السيارة تتحرك بإتقان وكذلك الطائرة ، شهد ذلك بوجود السائق.
· وإذا رأينا السير المنظم للشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار، وخلق المخلوقات بإحكام وإتقان شهد ذلك بوجود الله .
· لو أن الخالق غير موجود ، لكانت المخلوقات جميعاً معدومة .
· إذا تفكرنا في سيارة ـ مثلاً ـ فسنعرف أن صانعها يملك الحديد والزجاج والأسلاك وسائر المواد التي ركبت منها السيارة ، وأن لديه قدرة على الصناعة وعلماً بها وخبرة هندسية وإرادة .
· وإذا تفكرنا في مخلوقات الله عرفنا أن الحكمة التي فيها من حكيم ، والخبرة من خبير ، والقوة من قوي ، والصور البديعة من مصور بديع، والهداية من هاد ، والحياة من محيي ، والعلم من عليم ، والحفظ من حفيظ، والرزق من رزاق ، والنظام الموحد المستقر من واحد.
· أرسل الله إلينا رسله لتعليمنا ما جلهنا من صفاته وأوامره سبحانه .

عن الويب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق